فصل: تفسير الآية رقم (4):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.سورة النمل:

وتسمى أيضا كما في الدر المنثور سورة سليمان.
وهي مكية كما روي عن ابن عباس وابن الزبير رضي الله تعالى عنهم وذهب بعضهم إلى مدنية بعض آياتها كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وعدد آياتها خمسة وتسعون آية حجازي وأربع بصري وشامي وثلاث كوفي.
ووجه اتصالها بما قبلها أنها كالتتمة لها حيث زاد سبحانه فيها ذكر داود وسليمان وبسط فيها قصة لوط عليه السلام أبسط مما هي قبل وقد وقع فيها: {إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا} إلخ وذلك كالتفصيل لقوله سبحانه فيما قبل: {فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين} وقد اشتمل كل من السورتين على ذكر القرآن وكونه من الله تعالى وعلى تسليته صلى الله عليه وسلم إلى غير ذلك.
وروي عن ابن عباس وجابر بن زيد أن الشعراء نزلت ثم طس ثم القصص.
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآية رقم (1):

{طس تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1)}
{طس} قرئ بالأمالة وعدمها، والكلام فيه كالكلام في نظائره من الفواتح. {تِلْكَ} إشارة إلى السورة المذكورة، وأداة البعد للإشارة إلى بعد المنزلة في الفضل والشرف أو إلى الآيات التي تتلى بعد نظير الإشارة في قوله تعالى: {الم ذلك الكتاب} [البقرة: 1، 2] أو إلى مطلق الآيات، ومحله الرفع على الابتداء خبره قوله تعالى: {ءايات القرءان} والجملة مستأنفة أو خبر لقوله تعالى: {طس} وإضافة {ءايات} إلى {القرءان} لتعظيم شأنها فإن المراد به المنزل المبارك المصدق لما بين يديه الموصوف بالكمالات التي لا نهاية لها، ويطلق على كل المنزل عليه صلى الله عليه وسلم للإعجاز وعلى بعض منه، وجوز هنا إرادة كل من المعنيين وإذا أريد الثاني فالمراد بالبعض جميع المنزل عند نزول السورة، وقوله تعالى: {وكتاب مُّبِينٌ} عطف على {القرءان} والمراد به القرآن وعطفه عليه مع اتحاده معه في الصدق كعطف إحدى الصفتين على الأخرى كما في قولهم: هذا فعل السخي والجواد الكريم، وتنوينه للتفخيم، و{المبين} إما من أبان المتعدي أي مظهر ما في تضاعيفه من الحكم والأحكام وأحوال القرون الأولى وأحوال الآخرة التي من جملتها الثواب والعقاب أو سبيل الرشد والغي أو نحو ذلك، والمشهور في أمثال هذا الحذف أنه يفيد العموم، وأما من أبان اللازم عنى بأن أي ظاهر الإعجاز أو ظاهر الصحة للإعجاز وهو على الاحتمالين صفة مادحة لكتاب مؤكدة لما أفاده التنوين من الفخامة.
ولما كان في التنكير نوع من الفخامة وفي التعريف نوع آخر وكان الغرض الجمع للاستيعاب الكامل عرف القرآن ونكر الكتاب وعكس في الحجر، وقدم المعرف في الموضعين لزيادة التنويه، ولما عقبه سبحانه بالحديث عن الخصوص هاهنا قدم كونه قرآنًا لأنه أدل على خصوص المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم للإعجاز كذا في الكشف.
وقال بعض الأجلة: قدم الوصف الأول هاهنا نظرًا إلى حال تقدم القرآنية على حال الكتابية وعكس هنالك لأن المراد تفخيمه من حيث اشتماله على كمال جنس الكتب الإلهية حتى كأنه كلها ومن حيث كونه ممتازًا عن غيره نسيج وحده بديعًا في بابه والإشارة إلى امتيازه عن سائر الكتب بعد التنبيه على انطوائه على كمالات غيره من الكتب أدخل في المدح لئلا يتوهم من أول الأمر أن امتيازه عن غيره لاستقلاله بأوصاف خاصة به من غير اشتماله على نعوت كمال سائر الكتب الكريمة، وفي هذا حمل أل على الجنس في الكتاب.
والظاهر أنها في {القرءان} للعهد فيختلف معناها في الموضعين وإليه يشير ظاهر كلام الكشاف كما قيل، واعتذر له بأنه إذا رجع المعنيان إلى التفخيم فلا بأس ثل هذا الاختلاف، وجوز أن تكون في الموضعين للعهد وأن تكون فيهما للجنس فتأمل، وقيل: إن اختصاص كل من الموضعين بما اختص به من تعيين الطريق.
وجوز أن يراد بالكتاب اللوح المحفوظ وإبانته أنه خط فيه ما هو كائن إلى يوم القيامة فهو يبينه للناظرين فيه، وتأخيره هنا عن القرآن باعتبار تعلق علمنا به وتقديمه في الحجر عليه باعتبار الوجود الخارجي فإن القرآن عنى المقروء لنا مؤخر عن اللوح المحفوظ ولا يخفى أن إرادة غير اللوح من الكتاب أظهر. وقال بعضهم: لا يساعد إرادة اللوح منه هاهنا إضافة الآيات إليه إذ لا عهد باشتماله على الآيات ولا وصفه بالهداية والبشارة إذ هما باعتبار إبانته فلابد من اعتبارها بالنسبة إلى الناس الذين من جملتهم المؤمنون لا إلى الناظرين فيه.
وقرأ ابن أبي عبلة {وكتاب مُّبِينٌ} برفعهما، وخرج على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه أي وآيات كتاب، وقيل: يجوز عدم اعتبار الحذف والكتاب لكونه مصدرًا في الأصل يجوز الإخبار به عن المؤنث، وقيل: رب شيء يجوز تبعًا ولا يجوز استقلالًا ألا ترى أنهم حظروا جاءتني زيد وأجازوا جاءتني هند وزيد، وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (2):

{هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)}
{هُدًى وبشرى} في حيز النصب على الحالية من {ءايات} [النمل: 1] على إقامة المصدر مقام الفاعل فيه للمبالغة كأنها نفس الهدى والبشارة، والعامل معنى الإشارة وهو الذي سمته النحاة عاملًا معنويًا.
وجوز أبو البقاء على قراءة الرفع في {كِتَابٌ} [النمل: 1] كون الحال منه ثم قال: ويضعف أن يكون من المجرور ويجوز أن يكون حالًا من الضمير في {مُّبِينٌ} [النمل: 1] على القراءتين، وجوز أبو حيان كون النصب على المصدرية أي تهدي هدى وتبشر بشرى أو الرفع على البدلية من {ءايات} [النمل: 1] واشتراط الكوفيين في إبدال النكرة من المعرفة شرطين اتحاد اللفظ وأن تكون النكرة موصوفة نحو قوله تعالى: {لَنَسْفَعًا بالناصية نَاصِيَةٍ كاذبة} [العلق: 15، 16] غير صحيح كما في شرح التسهيل لشهادة السماع بخلافه أو على أنه خبر بعد خبر لتلك أو خبر لمبتدأ محذوف أي هي هدى وبشرى {لِلْمُؤْمِنِينَ} يحتمل أن يكون قيدًا للهدى والبشرى معًا، ومعنى هداية الآيات لهم وهم مهتدون أنها تزيدهم هدى قال سبحانه: {فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانًا وهم يستبشرون} [التوبة: 124] وأما معنى تبشيرها إياهم فظاهر لأنها تبشرهم برحمة من الله تعالى ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم كذا قيل، وفي «الحواشي الشهابية» أن الهدى على هذا الاحتمال، إما عنى الاهتداء أو على ظاهره وتخصيص المؤمنين لأنهم المنتفعون به وإن كانت هدايتها عامة، وجعل المؤمنين عنى الصائرين للإيمان تكلف كحمل هداهم على زيادته، ويحتمل أن يكون قيدًا للبشرى فقط ويبقى الهدى على العموم وهو عنى الدلالة والإرشاد أي هدى لجميع المكلفين وبشرى للمؤمنين.

.تفسير الآية رقم (3):

{الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3)}
{الذين يُقِيمُونَ الصلاة وَيُؤْتُونَ الزكواة} صفة مادحة للمؤمنين، وكنى بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة عن عمل الصالحات مطلقًا، وخصا لأنهما على ما قيل أما العبادة البدنية والمالية، والظاهر أنه حمل الزكاة على الزكاة المفروضة.
وتعقب بأن السورة مكية والزكاة إنما فرضت بالمدينة، وقيل كان في مكة زكاة مفروضة إلا أنها لم تكن كالزكاة المفروضة بالمدينة فلتحمل في الآية عليها، وقيل: الزكاة هنا عنى الطهارة من النقائص وملازمة مكارم الأخلاق وهو خلاف المشهور في الزكاة المقرونة بالصلاة ويبعده تعليق الإيتاء بها، وقوله تعالى: {وَهُم بالاخرة يُوقِنُونَ} يحتمل أن يكون معطوفًا على جملة الصلة، ويحتمل أن يكون في موضع الحال من ضمير الموصول، ويحتمل أن يكون استئنافًا جيء به للقصد إلى تأكيد ما وصف المؤمنون به من حيث أن الإيقان بالآخرة يستلزم الخوف المستلزم لتحمل مشاق التكليف فلابد من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وقد أقيم الضمير فيه مقام اسم الإشارة المفيد لاكتساب الخلافة بالحكم باعتبار السوابق فكأنه قيل: وهؤلاء الذين يؤمنون ويعملون الصالحات من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة هم الموقنون بالآخرة، وسمي الزمخشري هذا الاستئناف اعتراضًا وكونه لا يكون إلا بين شيئين يتعلق أحدهما بالآخر كالمبتدأ والخبر غير مسلم عنده.
واختار هذا الاحتمال فقال: إنه الوجه ويدل عليه أنه عقد الكلام جملة ابتدائية وكرر فيها المبتدأ الذي هو {هُمْ} حتى صار معناها وما يوقن بالآخرة حق الإيقان إلا هؤلاء الجامعون بين الإيمان والعمل الصالح لأن خوف العاقبة يحملهم على تحمل المشاق انتهى. وأنكر ابن المنير إفادة نحو هذا التركيب الاختصاص وادعى أن تكرار الضمير للتطرية لمكان الفصل بين الضميرين بالجار والمجرور، والحق أنه يفيد ذلك كما صرحوا به في نحو هو عرف، وكذا يفيد التأكيد لما فيه من تكرار الضمير.
وزعم أبو حيان أن فيما ذكره الزمخشري دسيسة الاعتزال، ولا يخفى أنه ليس في كلامه أكثر من الإشارة إلى أن المؤمن العاصي لم يوقن بالآخرة حق الإيقان، ولعل جعل ذلك دسيسة مبني على أنه بنى ذلك على مذهبه في أصحاب الكبائر وقوله فيهم بالمنزلة بين المنزلتين. وأنت تعلم أن القول بما اختاره في الآية لا يتوقف على القول المذكور؛ وتغيير النظم الكريم على الوجهين الأولين لما لا يخفى، وتقديم {بالاخرة} في جميع الأوجه لرعاية الفاصلة، وجوز أن يكون للحصر الإضافة كما في «الحواشي الشهابية».

.تفسير الآية رقم (4):

{إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4)}
{إِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالاخرة} بيان لأحوال الكفرة بعد أحوال المؤمنين أي لا يؤمنون بها وا فيها من الثواب على الأعمال الصالحة والعقاب على الأعمال السيئة حسا ينطق به القرآن {زَيَّنَّا لَهُمْ أعمالهم} القبيحة بما ركبنا فيهم من الشهوات والأماني حتى رأوها حسنة {فَهُمْ يَعْمَهُونَ} يتحيرون ويترددون والاستمرار في الاشتغال بها والانهماك فيها من غير ملاحظة لما يتبعها. والفاء لترتيب المسبب على السبب. ونسبة التزيين إليه عز وجل عند الجماعة حقيقة وكذا التزيين نفسه، وذهب الزمخشري إلى أن التزيين إما مستعار للتمتيع بطول العمر وسعة الرزق وإما حقيقة وإسناده إليه سبحانه وتعالى مجاز وهو حقيقة للشيطان كما في قوله تعالى: {زَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أعمالهم} [الأنفال: 48].
والمصحح لهذا المجاز إمهاله تعالى الشيطان وتخليته حتى يزين لهم، والداعي له إلى أحد الأمرين إيجاب رعاية الأصلح عليه عز وجل. ونسب إلى الحسن أن المراد بالأعمال الأعمال الحسنة وتزيينها بيان حسنها في أنفسها حالًا واستتباعها لفنون المنافع مآلًا أي زينا لهم الأعمال الحسنة فهم يترددون في الضلال والإعراض عنها.
والفاء عليه لترتيب ضد المسبب على السبب كما في قولك: وعظته فلم يتعظ، وفيه إيذان بكمال عتوهم ومكابرتهم وتعكيسهم الأمور، وتعقب هذا القول بأن التزيين قد ورد غالبًا في غير الخير نحو قوله تعالى: {زُيّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشهوات} [آل عمران: 14] {زُيّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الحياة الدنيا} [البقرة: 212] {زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مّنَ المشركين} [الأنعام: 137] إلخ ووروده في الخير قليل نحو قوله تعالى: {حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الايمان وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 7] ويبعد حمل الأعمال على الأعمال الحسنة إضافتها إلى ضميرهم وهم لم يعملوا حسنة أصلًا. وكون إضافتها إلى ذلك باعتبار أمرهم بها، وإيجابها عليهم لا يدفع البعد.
وذكر الطيبي أنه يؤيد ما ذكر أولًا أن وزان فاتحة هذه السورة إلى هاهنا وزان فاتحة البقرة فقوله تعالى: {إِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالاخرة} كقوله تعالى: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ} [البقرة: 6] وقوله سبحانه: {زَيَّنَّا لَهُمْ أعمالهم} [النمل: 4] كقوله جل وعلا: {خَتَمَ الله على قُلُوبِهِمْ[البقرة؛ 7].
وقد سبق بيان وجه دلالة ذلك على مذهب الجماعة هناك وأن التركيب من باب تحقيق الخبر وأن المعنى استمرارهم على الكفر وأنهم بحيث لا يتوقع منهم الإيمان ساعة فساعة أمارة لرقم الشقاء عليهم في الأزل والختم على قلوبهم وأنه تعالى زين لهم سوء أعمالهم فهم لذلك في تيه الضلال يترددون وفي بيداء الكفر يعمهون، ودل على هذا التأويل إيقاع لفظ المضارع في صلة الموصول والماضي في خبره وترتيب قوله تعالى: {فَهُمْ يَعْمَهُونَ} بالفاء عليه، واختصاص الخطاب بما يدل على الكبرياء والجبروت من باب تحقيق الخبر نحو قول الشاعر:
إن التي ضربت بيتًا مهاجرة ** بكوفة الجند غالت ودها غول

وفي الأخبار الصحيحة ما ينصر هذا التأويل أيضًا.